
محمد عبدالرحمن
٥ ديسمبر ٢٠٢٥
صرحت الدكتورة مونيكا حنا الاستاذ المساعد بكلية الآثار والتراث بالأكاديمية البحرية بأسوان قائلة.. كمان ٣ أيام هنفتكر سرقة راس نفرتيتي اللي تم اكتشافها في ٦ ديسمبر ١٩١٢، يا ترى تمثال نفرتيتي اللي في برلين جه بطريقة مش نزيهة؟ مقالة جديدة مثيرة للجدل بتقول إن فيه تزوير حصل عشان التمثال ده يروح ألمانيا. الدكتور رولف كراوس، عالم المصريات الألماني المتخصص في تاريخ الفن المصري القديم، نشر بحث جديد بيقول إن لوحة العمارنة اللي في المتحف المصري بالقاهرة، واللي رقمها JE44865، هي لوحة مُتزوّرة. كراوس بيأكد إن لودفيغ بورخارت، مدير الحفائر واللي هرب نفرتيتي، عمل اللوحة دي مخصوص عشان يضمن إن تمثال نفرتيتي النصفي يروح برلين وقت تقسيم المكتشفات.
عملية التزوير والمقارنة
كراوس بيوصف اللوحة JE44865بإنها “تلفيق” (pasticcio)؛ يعني تركيب غير متقن بيجمع عناصر من نقوش قديمة مختلفة.
١. السرقة من برلين: المشهد الرئيسي على اللوحة، اللي هو العائلة الملكية قاعدة، هو نسخة طبق الأصل من لوحة تانية موجودة في برلين بالفعل (ÄM 14145).
٢. خداع الألوان: التلوين على اللوحة المزورة متكون من طبقتين دهان: طبقة فاتحة تحت وطبقة غامقة فوق، عشان يوحي بإن اللوحة دي قعدت سنين طويلة واتعرضت لـ “عوامل التعرية”.
بورخارت احتاج “نظير فني” لتمثال نفرتيتي، ولما لقى اللوحة المزورة دي، قدر يرفضها كجزء من حصة الألمان بحجة إن متحف برلين عنده لوحة شبهها بالظبط. النتيجة: القاهرة أخدت اللوحة المُزورة، وبرلين أخدت تمثال نفرتيتي النصفي.
قيمة المقال العلمي ومن باحث تاريخ فن الماني هو ان ده بيأكد على سرقة بورخاردت وتزويره.
تاريخ بورخارت مع التزوير
البحث مش بيقدم دليل على التزوير في الواقعة دي بس، لكنه بيقول إن بورخارت عنده تاريخ في تزوير الآثار:
١. أيام الدراسة: عمل لوح مسماري عليه لوغاريتمات عشان يخدع زمايله بتوع علم الآشوريات.
٢. في القاهرة: وهو مُلحق أثري، زوّر لوحة برلين AM15699 عشان يخدع صديقه كورت سيث.
٣. الدافع: كراوس شايف إن الدافع في كل الحالات دي كان ممكن يكون ببساطة “متعة خداع شخص ما”، مش الكسب المادي.
صمت المؤسسات والأرشيف السويسري
الشكوك حول اللوحة بترجع لـ الثمانينات، لكن كراوس استنى عشان ينشر البحث لأنه كان بيشتغل في المتحف المصري ببرلين. البحث ده اتكلف منحة من المؤسسة الألمانية للبحث العلمي (DFG).
كمان، البحث بيشير لـ أرشيف بورخارت الموجود في المعهد السويسري للبحوث المعمارية والأثرية في القاهرة اللي موجود في الزمالك. عالم مصريات سابق قال لكراوس إن فيه ملفات في المعهد ده “بتخلي قضية نفرتيتي متظهرش زي ما الناس فاكرة في برلين”. لكن لما كراوس طلب يشوف الأرشيف في منتصف الثمانينات، مدير المعهد وقتها، جيرهارد هايني، رفض وقاله: “أنا معرفش إيه اللي ممكن تلاقيه هناك”.
من الأخر، المقال بيقول ان بورخاردت باع لينا الترماي…
ليه مهم نتكلم عن الاستعمار الثقافي عشان نفكك سردية المتاحف الغربية؟
أناقش في مقالة نشرتها في ٢٠٢٣ في دورية علمية محكمة، اللي بشوفه رمز أساسي جداً في النقاشات اللي بتدور عن فك الاستعمار والتداعيات الأخلاقية اللي المفروض المتاحف تاخد بالها منها دلوقتي. التمثال ده بالنسبالي بيشرح تمسك متاحف زي متحف برلين بالتراث المصري المنهوب، عن طريق سيطرتهم على إنتاج المعرفة الأثرية، عشان يبقى هما الوريث الشرعي لمصر القديمة زي ما قال مدير المتاحف في برلين هرمان بارزينجر وكتبت مقال للرد عليه، وده اللي خلاهم يتحكموا في تراثنا في مجموعاتهم المتحفية. بستعرض بالتفصيل الإطار القانوني والأخلاقي لاكتشاف التمثال وخروجه وعرضه الحالي في برلين، وبأكد إن عملية خروجه من مصر سنة 1913 كانت عملية غير قانونية ومش أخلاقية أبداً، وده كان مخالف للقانون المصري لسنة ١٩١٢ وقرار الخديوي توفيق ١٨٩١ وقتها اللي كان بينظم عملية تقسيم الآثار ولأن بورخاردت كمان كان موظف في لجنة حفظ الاثار المصرية، يعني كان حاميها حراميها. وبوصل لحجة رئيسية ومهمة وهي إن رفض إرجاع التمثال باستمرار، سواء من أدولف هتلر في التلاتينات أو من قوات الحلفاء بعد الحرب، مكنش سببه إن موقفهم القانوني سليم، لكن كان بسبب الخوف الأساسي عند الغرب من إن رجوع نفرتيتي ممكن يفتح سابقة خطيرة جداً تخلّي باقي دول الجنوب تطالب برجوع كل الآثار اللي اتسرقت أو اتاخدت في عصر الاستعمار بدليل انهم رجعوا تمثال الdiscobolo الإيطالي اللي موسوليني باعه لهيتلر، ومن خلال البحث كمان لقيت وثائق انجليزية بتأكد ان السفير البريطاني في المانيا كان بيبعت جوابات لأمين المتحف البريطاني تفاصيل مفاوضات مصر مع المانيا مع التأكيد انها لازم تفشل لأن رجوع تمثال نفرتيتي كان بيمثل في العشرينات والتلاتينات خطر كبير على حجر رشيد ورخام البارثينون (انا حطيت صورة المراسلة).
كمان في المقال بحكي عن جواب رسمي مهم جداً (هحط صورته في البوست) لمحمود باشا فهمي النقراشي اللي بيكتب فيه للحلفاء بعد ١٩٤٧ لما تمثال نفرتيتي بيتلاقى في مخبأ في Wiesabden بيقول فيه كلام انا بشوف انه هو أساس كل الشغل اللي احنا بنعمله:
“اما وهتلر لم يعد له وجود ولم تعد ارادته تعتبر قانوناً، فليس ما يمنع وضع نهاية لهذا النهب المبني على التزوير والمستند الى القوة ويجب ان تعود الى مصر هذه التحفة الفنية المصرية القديمة التي ما كان ينبغي ان تغادرها، لتوضع في المكان اللائق بها في متحف القاهرة فيدرسها العلماء هي وغيرها من مجموعة التحف التي اخرجها العصر الذي صنعت فيه. وفضلاً عن ذلك، ففي عودتها أعادة الحق الى نصابه مما يقدره الجميع تقديراً بالغاً ويغتبط له العالم العلمي والفني والرأي العام في كل الدول.”
مهم نتكلم عن الاستعمار عمل ايه في تراثنا الثقافي وكمان ما بعد الاستعمار (اللي ممكن نسميه عقدة الخواجة)، وبالذات في ضوء تقرير مهم اسمه سار-سافوي، في قدرتها على نقل النقاش من إطار قانوني ضيق (اللي غالباً بيبرر عمليات الاستحواذ اللي حصلت أيام الاستعمار) لإطار أخلاقي وتاريخي وإنساني أوسع وأكتر إلزاماً. تقرير سار-سافوي لسنة 2018، واللي كلّفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (مرفق في الكومنتات) بعد ما أعلن عن استرجاع الآثار في واغادوغو، كان بمثابة دراسة رائدة أوصت بضرورة الإعادة الدائمة والفورية للتراث الثقافي الأفريقي اللي اتنقل من غير موافقة خلال الفترة الاستعمارية. التقرير ده اعتمد على الفكر ما بعد الاستعماري عشان يفنّد ويهدّ الادعاء الغربي بـ”المتحف العالمي”، اللي النظريات دي بتعتبره مجرد أداة للهيمنة الثقافية بتكرّس سيطرة المستعمِر على تراث المُستعمَر وبتمنعه إنه ينتج المعرفة الخاصة بيه. بالتالي، النظريات دي بتقدم الأساس الفكري اللي بيشوف إن الاحتفاظ بالآثار عمل بيكمل مسار العنف والسلب الاستعماري، وبتأكد إن الإعادة مش مجرد هبة أو تفضيل سياسي، لكنها عملية ضرورية عشان يتحقق العدل التاريخي، واستعادة الوكالة الثقافية والمعرفية للمجتمعات الأصلية اللي اتسلبت ماضيها المادي والروحي.
بعد ما صدر تقرير سار-سافوي اللي فتح نقاش عالمي كبير جداً عن أخلاقيات المتاحف، زادت حركة استرجاع الآثار دي بشكل ملحوظ اللي خرجت قبل اتفاقية اليونسكو ١٩٧٠، وشفنا خطوات فعلية من مؤسسات مختلفة. بشكل عام، فرنسا رجعت بشكل نهائي 27 قطعة أثرية كانت عندها في المتاحف الحكومية، منهم 26 قطعة من كنوز مملكة داهومي لـ بنين، وسيف تاريخي لـ السنغال، وده بعد ما طلعوا قانون مخصوص عشان يتجاوزوا بيه مبدأ عدم جواز التصرف في التراث الفرنسي.
على مستوى المؤسسات الأوروبية، ظهرت كذا حالة استرداد مهمة:
• متحف جامعة كامبريدج (بريطانيا): كانت كلية جيسوس في الجامعة هي أول مؤسسة بريطانية تبادر وترجع تمثال “أوكوكور” (Okukur) البرونزي اللي اتسرق من بنين، وده كان في أكتوبر 2021. وبعد كده، وافقت جامعة كامبريدج عن طريق متحف الآثار والأنثروبولوجيا على إنها ترجع 116 قطعة برونزية إضافية من برونزيات بنين لنيجيريا، ودي كانت اتنهبت وقت الحملة العقابية البريطانية سنة 1897، وبكده تكون الجامعة من المؤسسات اللي بتسلم الملكية القانونية للقطع دي.
• الفاتيكان: الفاتيكان كمان أظهرت بوادر إيجابية من خلال البابا فرنسيس، اللي أمر سنة 2022 بإعادة تلات قطع من رخام البارثينون لليونان، ووصفها إنها “هدية روحية”. لكن الأهم في سياق التراث الاستعماري، هو تعهد البابا فرنسيس إنه يبدأ عملية استرداد لعدد من القطع اللي بتخص السكان الأصليين في كندا، اللي كانت محطوطة في متاحف الفاتيكان (مجموعة Anima Mundi)، وأكد على “الوصية السابعة: إذا سرقت شيئًا فعليك إعادته”، ودي إشارة واضحة لتغير في النظرة الدينية تجاه قضية استرجاع الممتلكات اللي اتنهبت في فترات الاستعمار والتبشير.
احنا مش هنقدر نغير التاريخ، بس نقدر نصححه، اللي مهتم يعرف ليه من حق مصر ترجع راس نفرتيتي ويردد معانا كلام النقراشي باشا “ان في ذلك هو إعادة الحق الى نصابه” هتلاقوا كل التفاصيل على الموقع ده: https://nefertitibackhome.org
اللي عايز أي من المقالات المشار ليها، يقدر يبعتلي بشكل شخصي وهبعت ليه الملفات للمقالين، وكل اللينكات هحطها في كومنتات.




