العالممصر النهاردة

ريوان رافت تكتب بين الخراب والأمل ـ فلسطين تنتظر الفجر

بقلم ريوان رأفت عبد الرحمن

لا يمكن أن تُكتب الكلمات عندما يصبح الألم هو اللغة الوحيدة التي تَفهمها الأوجاع، حينما يتحوّل الوجع إلى هوية، وتصبح الأرض نفسها تئن تحت وطأة ما تُعانيه.
فلسطين، تلك الأرض التي كانت يومًا حلمًا، تحوّلت إلى جرح لا يشفى، إلى مكانٍ يرزح تحت نيران الاحتلال، حيث يصبح الصمت هو الصوت الأكثر صراخًا، والأمل هو الخيط الرفيع الذي يتساقط بين يديّ الجميع.

في فلسطين، هناك حياة، ولكنها حياة معلّقة، كأنها لحظة عابرة في الزمن، تسبقها دموع الأمهات، وتليها آهات الأطفال الذين لا يعرفون من الحياة إلا ألم الفقد والموت المستمر.

في غزة، كل شيء يبدأ وينتهي بالحرب، والأمل يتناثر كالأتربة التي تحملها الرياح. كل يوم يبدأ بجراح جديدة، وكل دقيقة تضعك أمام مشهد لا يطاق من الموت والدمار.

وفي قلب هذا الوجع، هناك عيون تلمع، لكن ليس بالفرح، بل بالحزن الذي يفوق الكلمات.
ليس فقط في غزة، بل في كل شبر من أرض فلسطين، تكبر معاناة أخرى. قصص لا تنتهي من اللجوء، من الشتات، من الذكريات التي تنبت في الأذهان وتبقى عالقة، لا تسقط

، لا تموت. قصص عن منازل دُمرت، وأرواح فُقدت، وأحلام ضاعت في بحر من الدماء.
في فلسطين، كل حجر يحمل قصة، وكل شجرة تحمل ذاكرة.

ليس بعيدًا عن الزحام، هناك طفل صغير يتساءل عن معنى الحلم. يحلم بشيء واحد فقط: أن تكون لديه فرصة للحياة. يحلم أن يرى البحر بعيدًا عن الأسلاك الشائكة التي تحيطه، ويحلم أن يركض في الشوارع دون أن يخشى صوت طائرة حربية تُمزق السماء، أو أن يرى جنديًّا يقف أمامه بلا رحمة.

لكن هذا الحلم يُسلب منه كل يوم، وفي كل لحظة، بينما يبقى الوجع في عينيه يكبر كلما كبرت جراحه.
ليس هناك شيء يوازي وجع أن ترى وطنك يتناثر أمامك، أن ترى شوارعك تمزقها الحروب، والأبنية التي كنت تلعب تحتها تتساقط فوق رؤوس الأحبة.

في فلسطين، لا يمر يوم دون أن تجد وجهًا جديدًا يحمل آثار الدم والدموع، أطفالٌ لا يعرفون من الحياة سوى الفقد، وأمهاتٌ يحملن أوجاعهن في صمت، ويذهبن في رحلة بحثٍ مستمرة عن غدٍ لا يأتي.

ثم تأتي الأخبار التي لا تتوقف عن أن تُخبرك أن هناك المزيد من الضحايا، وأن تلك الصورة الملطخة بالدماء لم تكن سوى واحدة من آلاف القصص التي لا تكتمل.
في فلسطين، لا تُقاس الحياة بالسنوات، بل باللحظات التي تبقى فيها حيًا رغم كل شيء. هي لحظات تلتصق بك، تجعلك تبقى، وإن كانت روحك قد تآكلت بين الخراب.

كل يوم جديد في فلسطين هو اختبارٌ جديد للقدرة على التحمل، اختبارٌ لمعنى الصبر على جرح لا يندمل.
ومع ذلك، في قلب هذا الظلام، يبقى الفجر يأمل في العودة، يبقى القلب ينبض بشوق لأرضٍ لا تعرف الراحة. يبقى الأمل يتغلغل في الذاكرة، وتظل فلسطين في قلوب الجميع، كما كانت في الماضي، حلمًا لا يزول.

لكن هذا الوجع هو الذي يُنبت قوة لا تُقهر، إرادة لا تنكسر. وفي كل زاوية من فلسطين، يظل الأمل مُشرقًا، رغم الجراح. وأصوات الحق التي لا تَعرف الصمت، تظل تُعبر عن قصة شعب لا ينسى، ولا يتخلى عن وطنه.
فلسطين، رغم كل الوجع، ستبقى شامخة، مهما حاولوا محوها من الذاكرة.

فكيف تُمحى من الذاكرة، وهي أرضٌ سكنت قلوب الأنبياء؟ كيف تُنسى، وقد باركها الله وذكرها في كتابه؟!
فلسطين ليست مجرد جغرافيا، بل تاريخٌ يشهد له الزمان، ومجدٌ لا يُطمس مهما طال الاحتلال.
هي القدس، أولى القبلتين، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أرضٌ رُفعت فيها الدعوات وسجدت فيها الجباه الطاهرة.
في كل حجر فيها، تسكن آية، وفي كل ذرة تراب، حكاية من نور.
فلسطين لا تعرف الذل، لأنها خُلقت حرة، وعاشت حرة، وستبقى حرة، لأن فيها شعبًا لا ينكسر، وأرضًا لا تُهان، ومجدًا لا يُداس.

وفي النهاية، هناك نور يلوح في الأفق. رغم أن الظلام كثيف، ورغم كل الحروب والمصاعب، يبقى الحلم بالحرية هو الأقوى.
كما كان في الماضي، يظل الشعب الفلسطيني ينبض بالحياة، رغم محاولات محو هويته. والحرية، التي طالما كانت حلمًا، ستصبح حقيقة يومًا ما.
الأمل في التحرر لا يموت، بل يزداد قوة مع مرور الوقت.
فلسطين، سترجع حرة، وسيعود الحق لأصحابه، كما يعود النور بعد كل ليلة حالكة.

“سنبقى نقاوم حتى يأتي اليوم الذي نرفع فيه راية فلسطين فوق كل الأراضي، حينها فقط، سنعيش بكرامة، وستظل فلسطين حرة كما كانت، في قلوب كل الأحرار.”
🇵🇸✍🏻
#الكاتبة_ريوان_رأفت_عبدالرحمن_الخطيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى