
بقلم الدكتور آدم إسماعيل باكوي
رئيس حزب الوحدة
إن تاريخ الحضارة الإنسانية غني بالشخصيات النسائية البارزة اللواتي أبدعن في شتى ميادين النشاط البشري، فكن بحق رمز للتقدّم والنهضة، ليس في أوطانهن فحسب، بل على المستوى العالمي أيضًا. وتثير مسيرتهن تساؤلات جوهرية حول الدوافع الفلسفية والروحية والأخلاقية التي استندت إليها هذه النماذج الاستثنائية في تحقيق إنجازاتها.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن مجموعة من النساء الرائدات أسهمت بشكل جوهري في صياغة الأسس الفلسفية للفكر الإنساني وإثرائه.
لقد اشتهرت أرض أذربيجان عبر التاريخ بنسائها البارزات اللواتي شكّلن مصدر فخر لشعبهن، وجسّدن أسمى معاني الإرادة الحرة الراسخة، والثقافة العميقة، والتسامح الفريد والذكاء الاستثنائي الذي يميّز هذا الشعب، ويكفي أن نستحضر على سبيل المثال سارة خاتون والدة الحاكم آق قويونلو، التي اضطلعت بدور مؤثر في إدارة شؤون الدولة بفضل حكمتها وحنكتها السياسية، كما نذكر الشاعرة الكبيرة خورشيدبانو ناطوان، التي لفتت الأنظار بجمالها الأرستقراطي وذكائها الثاقب.
في العصر الحديث أيضًا، برزت العديد من النساء اللواتي نقشن أسماءهن بحروف من ذهب في تاريخ أذربيجان، واستمرت هذه التقاليد العريقة حتى يومنا هذا، ومن الطبيعي أن نسلط الضوء على بعض الأسماء اللامعة في هذا السياق: الأكاديمية ظريفة علييفا، التي قدّمت إسهامات لا تُقدَّر بثمن في تطوير طب العيون في أذربيجان، ووضعت معالم جديدة في هذا المجال، كما ساهمت بشكل فعّال في تعزيز مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية في الجمهورية. والأكاديمية عايدة إيمان قولييفا، التي أرست أسس علم الاستشراق الحديث في أذربيجان، وشكّلت قاعدة نظرية متينة لعلاقات الدبلوماسية الأذربيجانية مع الدول العربية والشرقية. إضافة إلى ذلك، تأتي طاهرة طاهروفا، إحدى الشخصيات البارزة التي أسست لأسس السياسة الخارجية لأذربيجان المستقلة، وشغلت منصب وزيرة الخارجية في العهد السوفيتي.
وفي ظل النهضة المتسارعة التي تشهدها بلادنا في الآونة الأخيرة، وصعودها المتنامي نحو قمم الحضارة العالمية، تواصلت السيدة مهربان علييفا النائبة الأولى للرئيس الجمهورية، السير على النهج التاريخي لدور المرأة الفاعل، مساهِمةً بكفاءة وجدارة في توجيه المسارات الاجتماعية والسياسية نحو أفق إيجابي ومثمر.
تُعدّ السيدة مهربان علييفا، بصفتها مصدر إلهام للتحديث الاجتماعي والإنساني والثقافي في بلادها، وشخصية أسهمت بإسهامات لا تُقدَّر بثمن في التنمية العالمية، واحدة من القيادات النسائية البارزة في العصر المعاصر. فهي تمتلك ترسانة غنية من الأفكار والرؤى التقدمية الرائدة، مستندة إلى مبادئ فلسفية راسخة، موجهة جهودها نحو تعزيز الثقافة الأذربيجانية وحماية التراث الوطني، فضلاً عن ترميم وإنقاذ المعالم الثقافية في العديد من الدول، وقد جعلتها هذه الإنجازات تُعرف عالميًا كراعية للفنون والثقافة، وبفضل هذه العوامل وغيرها الكثير، حظيت السيدة مهربان علييفا بالحـب والتقدير لـيس فقط في أذربيجــان، بل وخـارج حدودها أيضًا، إن تنوع نشاط هذه الشخصية البارزة في المجالات السياسية والحكومية والاجتماعية والإنسانية واسع للغاية، لدرجة أن مجرد الإشارة إلى جزء صغير منه لا يتسع في مقال واحد، وبإذن القارئ، سنركّز على البُعد الفلسفي لهذا التنوع، الذي يتجلّى بوضوح في جهود السيدة مهربان علييفا لتعزيز الإدراك الثقافي للشعب الأذربيجاني، ورفع مـــستواه الروحي والاجتماعي، وفي أعمالها الممتدة إلى العديد من الدول خارج حدود أذربيجان، كما تعكس سمعتها كسياسية وشخصية اجتماعية بارزة على المستوى الدولي، وحامية للتراث الثقافي للبشرية في شتى أنحاء العالم، الدور الكبير الذي تلعبه في رفع مكانة أذربيجان الدولية إلى مستويات غير مسبوقة، بما يسهم إيجابيًا في تعزيز صورة بلادنا على الصعيد العالمي.
في إطار الحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية، وبرنامج الترويج المتواصل والدقيق للثقافة الأذربيجانية، تولي السيدة مهربان علييفا اهتمامًا خاصًا بالترويج للمقام الموسيقي الأذربيجاني (Mugam)، وهو نوع موسيقي قديم وفريد من نوعه، أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، ويُعدّ المقام (Mugam) أكثر من مجرد نوع موسيقي فهو روح أذربيجان ونفَسها وفلسفتها، وتجسيد لتاريخها العريق الذي خُلد في أصواته وألحانه.
حيث تم إنشاء مركز المقام الدولي في باكو عام 2009، والذي يوفر فرصة للمواهب الشابة لتعلّم فن المقام بدقّة، وعرض قدراتهم في الغناء والعزف. وبمبادرة من السيدة مهربان علييفا تم تأسيس مراكز مماثلة في مختلف أنحاء جمهورية أذربيجان، سواء في قره باغ أو في المناطق الأخرى، مما ساهم في نشر هذا التراث الموسيقي الفريد وتعزيزه بين الأجيال الصاعدة، كل ذلك يسهم في انتشار وشعبية فن المقام على الصعيد العالمي، ويُعتبر مساهمة بارزة من أذربيجان في تطوير الفن الموسيقي العالمي، وبالإضافة إلى ذلك، وبفضل النشاط الفعّال للرئيس فخامة إلهام علييف والسيدة/ مهربان علييفا، اتسعت آفاق الترويج لفن المقام إذ تم إدراج المقام وآلتيه الرئيسيتين، “التار” و”الكمانجة”، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
لقد حظيت السيدة مهربان علييفا بمحبة كبيرة من الناس، بفضل رعايتها الصادقة والمستمرة للأطفال والمحتاجين، وقيامها بإنشاء نظام فعّال لتنشئة الشباب الأذربيجاني بروح الوطنية، وتبني الأفكار التقدمية العالمية، وتعزيز قيم التسامح والاجتهاد بينهم.
إن شخصية السيدة مهربان علييفا الفريدة تستند إلى تكوينها الجيني الفردي، الذي يجسّد السمات الأخلاقية الرفيعة، ويرمز إلى كونها حاملة لإرث النخبوية الروحية العريقة للشعب الأذربيجاني، الممتد عبر آلاف السنين.
من جهة، يُعد ظهور مثل هذه الظاهرة الاستثنائية في شخصية السيدة مهربان علييفا ضمن الفضاء السياسي الوطني حدثًا فريدًا لا مثيل له. ومن جهة أخرى، يبرز “صورة مهربان علييفا” في التاريخ السياسي للشرق كدليل على استمرار الاتجاه نحو تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية وتوسيع فرص وصولهن إلى هياكل الحكم في العديد من دول المنطقة. أما أذربيجان، فقد أثبتت في هذا السياق حضورها الثابت بوضوح ضمن التيار التاريخي لسياسة المرأة في الشرق.