منوعات

الجمال ينتصر في غزة… أمام الموت والدمار والتهجير عنصر حيوي للمشردين مثل الغذاء والماء والمأوى

يلعب الجمال دوراً حيوياً في غزة… وغالباً ما يُنظر إلى الجمال على أنه رفاهية، ولكن في المناطق التي مزقتها الحرب، يمثل شريان حياة لكثير من الناس.

احتفالية لأطفال رغم الدمار

ها أنك ترى مجموعة صغيرة من الأطفال في غزة يجلسون على بطانية بيضاء وزهرية اللون حول صينية صغيرة بها مشروبات، ويغنون ما يشابه «عيد ميلاد سعيد» لفتاة صغيرة. مثل الأطفال في مثل سنها حول العالم، ترتدي الفتاة سترة عليها طبعات «إلسا» و«آنا»، شخصيات من فيلم «فروزن»؛ ولكن على عكس معظم الأطفال، فهي تحتفل على خلفية الحرب التي، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة حتى 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أودت بحياة أكثر من 4500 طفل فلسطيني.

*اللاجئون في أنحاء العالم يبذلون جهداً كبيراً في تجميل محيطهم*

الجمال في ظروف مروعة

قد يبدو الاحتفال بأي شيء، غريباً أو حتى غير مناسب في ظل كل هذا الدمار. ومع ذلك، في البحث الذي أجريته عن اللاجئين مع الفنانة والباحثة متعددة التخصصات ديفورا نيومارك، وجدنا أن الرغبة في تجميل محيط المرء منتشرة على نطاق واسع ومفيدة للغاية – لا سيما في الظروف المروعة للخسارة والنزوح والخطر… عندما يجد الناس أنفسهم مشردين من منازلهم، فإن العثور على الجمال أو خلقه يمكن أن يكون أمراً حيوياً مثل الغذاء والماء والمأوى.

حتى حليب الأمهات جفّ

في الأسابيع الستة الأولى من الحرب بين إسرائيل و«حماس»، اضطر 70 في المائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى الرحيل أو فقدوا منازلهم. ويتجمع أكثر من نصفهم في نوع ما من ملاجئ الطوارئ، بينما يتكدس آخرون في منازل الأقارب والجيران. أما الغذاء فنادر ومكلف بشكل متزايد. ووفقاً للأمم المتحدة، يحصل الناس على 3 في المائة فقط من المياه التي يحتاجون إليها يومياً. الكثير من المياه لديهم ملوثة… الأمهات لا ينتجن حليب الثدي. الناس يمرضون. هناك نقص حاد في حليب الأطفال، وكذلك التخدير لأولئك الذين يحتاجون إلى عملية جراحية.

إن ضيق المساحة والتوتر الشديد والخوف، كل ذلك يضيف النوم إلى قائمة الأشياء التي يصعب الحصول عليها. وهذه الاحتياجات ملحة وضرورية. ومن دونها سيموت الناس. والكثيرون قد فعلوا ذلك بالفعل، في حين أن الظروف التي يعيشها أولئك الذين يعيشون فيها مروعة.

وكل تلك الأشياء تجعل من الصعب رؤية أشياء أخرى كثيرة. لكن صور القنابل والدماء التي لا نهاية لها تخفي قصة الحياة واللون والإبداع التي كانت موجودة في غزة. وتخفي الجمال الذي يستمر رغم الحرب.

الجمال دافع إنساني

غالباً ما يُنظر إلى الجمال على أنه رفاهية. ولكن هذا ليس هو الحال. إنه العكس دافع إنساني، فلقد كان الجمال سمة مميزة لكل حضارة إنسانية.

كتب فيلسوف الفن آرثر دانتو أن الجمال، على الرغم من كونه جانباً اختيارياً للفن، فإنه ليس خياراً (بل هو أمر أساسي) للحياة. وأظهر علماء الأعصاب أن أدمغتنا مجهزة بيولوجياً للجمال: فقد تكيفت الآليات العصبية التي تؤثر على الانتباه والإدراك لتلاحظ اللون والشكل والتناسب والنمط.

لقد وجدنا أن اللاجئين في جميع أنحاء العالم، الذين غالباً ما يتمتعون بحقوق قانونية محدودة أو معدومة، ما زالوا يستثمرون جهداً كبيراً في تجميل محيطهم.

وسواء كانوا يقيمون في ملاجئ أو شقق مؤقتة، فإنهم يطلون الجدران، ويعلقون الصور، ويضيفون ورق الحائط، ويفرشون الأرضيات بالسجاد. إنهم يحولون أماكن الإقامة البسيطة والمؤقتة إلى مساحات مخصصة – إلى مظاهر منزلية. ويعيد اللاجئون ترتيب المساحات لمشاركة وجبات الطعام، والاحتفال بالعطلات، واستضافة الحفلات – لتحية الأصدقاء، وإقامة الرقصات، وقول الوداع. إنهم يحرقون البخور، ويقدمون الشاي في الخزف المزخرف، ويقرأون الصلوات على السجاد المزخرف. تحمل هذه الأفعال البسيطة أهمية عميقة، حتى وسط التحديات.

يروي علماء الدراسات الحضرية ليلى زيبار ونورهان أبو جيدي وبرونو دي مولدر، قصة أم إبراهيم، اللاجئة السورية، عندما كانت حاملاً، قامت هي وزوجها بتحويل الخيمة التي تم توزيعها عليهما في مخيم للاجئين في إقليم كردستان العراق إلى منزلهما. وبنيا جدراناً من الطوب، وخططا لألوان الطلاء والأثاث. ومن حولها، قام الجيران بوضع النباتات في أصص ووضع الكراسي لإنشاء شرفات أمامية في ملاجئهم المؤقتة حتى يتمكنوا من التجمع مع الأصدقاء.

لقد حولوا الطرق إلى أماكن للاحتفال بالمناسبات الخاصة. وقاموا برسم العلم على مدخل المخيم. بنوا منزلاً جديداً، ولكنهم أيضاً جعلوه يبدو وكأنه مماثل لما «اعتادوا عليه في سوريا».

خلق الأمل في أمكنة ميؤوسة

إن فوائد الجمال عملية وتحويلية، خصوصاً بالنسبة للاجئين. يعاني العديد من اللاجئين من الصدمة بعد كل تجربة الخسارة. والتجميل هو وسيلة لممارسة القوة والشفاء.

إن الأفعال البسيطة – مثل إعادة ترتيب المنزل، أو كنس الأرض، أو وضع شيء ما عمداً – تسمح للاجئين بإضفاء هويتهم وذوقهم الخاص على المنطقة. إنها توفر طريقة للتعامل عندما لا يكون لدى المرء سوى القليل من السيطرة على أي شيء آخر. وفي كثير من الأحيان، بمجرد تصنيف شخص ما بأنه «لاجئ»، فإن جميع هوياته الأخرى تطغى عليها أو تختفي. وجدت الدراسة التي أجرتها ديفورا نيومارك على أكثر من 200 فرد عانوا من النزوح القسري، أن تجميل المنزل ساعد في شفاء الصدمات المتوارثة بين الأجيال الناجمة عن النزوح القسري. لاحظت نيومارك أنه عندما يشارك الأطفال في الجهود المبذولة لتجميل منازلهم، يبدو أن ذلك يؤثر بشكل إيجابي على آليات التكيف والرفاهية الخاصة بهم.

* «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى