العالمسياحةمصر النهاردةمنوعات

د مونيكا حنا ترد على بروفيسور ألماني اسمه هيرمان بارزينجر، الراجل ده كان رئيس المؤسسة اللي بتدير متحف برلين

محمد عبدالرحمن

١٩ نوفمبر ٢٠٢٥

صرحت الدكتورة مونيكا حنا استاذ علم المصريات المساعد بكلية الآثار والتراث بالأكاديمية البحرية بأسوان… هل مصر القديمة ماتت؟

المقالة دي كتبتها في ٢٠٢٢ مخصوص عشان أرد على بروفيسور ألماني اسمه هيرمان بارزينجر، الراجل ده كان رئيس المؤسسة اللي بتدير متحف برلين (الحمد لله طلع على المعاش)، اللي فيه تمثال نفرتيتي. في فيلم تسجيلي سنة 2018  قال بمنتهى البساطة إن مصر الحديثة “مالهاش أي علاقة” بمصر القديمة، وده طبعاً عشان يبرروا احتفاظهم بالتمثال عندهم!
الكلام ده مش بس غلط، دي “حجة استعمارية” قديمة اسمها “حجة الانقطاع” (The Discontinuity Pretext). يعني بيحاولوا يقنعوا العالم إننا شعب اتقطعت صلته بتاريخه، وإنهم أولى بتراثنا مننا.
أنا في المقال ده اتكلمت إن تراثنا ده “تراث حي”، وعايش فينا وفي تفاصيل حياتنا اليوم.

إزاي تراثنا لسه عايش؟
في المقالة، أنا بقدم 5 محاور أساسية بتثبت إن مصر القديمة استمرت من خلال تعاب ال وإن الصلة متقطعتش:
أولاً: الآلهة اللي بقت قديسين وأولياء
المصري مابيسيبش رموزه المقدسة، هو بس “بيصبغها” بالدين الجديد.
١. إيزيس -> السيدة مريم -> السيدة زينب:
دور الإلهة “إيزيس” كـ “الأم” الراعية، اللي بتحمي ابنها “حورس”، واللي الستات بتروحلها تطلب الخصوبة والشفاء، هو بالظبط الدور اللي بنشوفه في تبجيل “السيدة العذراء مريم” في المسيحية (حتى في أيقونات “العذراء المرضعة”)، وانتقل بعد كده لمكانة “السيدة زينب” في الإسلام كـ “أم العواجز” وملاذ الضعفاء12. الستات لسه بتروح الكنيسة والمسجد بنفس النية اللي كانوا بيروحوا بيها المعبد زمان.
٢. حورس -> مار جرجس:
المنظر الشهير للإله “حورس” في معبد إدفو وهو بيضرب فرس النهر (رمز الشر)، اتنقل هو هو بالظبط لأيقونة “مار جرجس” وهو بيقتل التنين. حتى أماكن معابد حورس القديمة، بنلاقي أماكن كنايس مار جرجس قريبة منها.

ثانياً: الأساطير والأعياد
١. شم النسيم (أوزوريس والمسيح):
الناس فاكرة إنه عيد الحصاد، لكن دي فكرة حديثة ملهاش اثبات تاريخي. أنا بعتقد إنه مرتبط بأسطورة “أوزوريس”. أوزوريس (الإله اللي اتقتل، وقام من الموت، وبقى ديّان العالم الآخر) قصته قريبة جداً من قصة يسوع المسيح (القيامة والحساب). العيد ده احتفال بالبعث والخصوبة وبقى عيد كل المصريين مش المسيحيين.
٢. الشجرة المقدسة (الجميزة):
فاكرين منظر الملك تحتمس الثالث وهو بيرضع من شجرة جميز؟ الشجرة دي كانت رمز للإلهة “ايزيس” وهي والدته فعلاً كان اسمها ايزيس – احياناً كمان رمز الشجرة ده كان بيبقى لحتحور (ايزيس وحتحور احياناً ادوارهم متشابه). زمان في الصعيد كنا بنغني اغنية اسمها: “يا طالع الشجرة، نزل لي معاك بقرة،…”. د. فايزة هيكل استاذتنا بتربط “البقرة” دي بـ “حتحور”. وقدسية الشجرة دي مكملة معانا في “شجرة مريم” في المطرية (اللي هي مكان شجرة الحياة في هليوبوليس القديمة) ، ومكملة في تقديسنا للأشجار عند أضرحة الأولياء زي “الشيخة خضرة” أو “النبي الخضر” في اكتر من قرية في الفيوم والدلتا.

ثالثاً: الموالد واستمرارية الأماكن المقدسة
١. المكان المقدس بيفضل مقدس:
ده اسمه تراكم الطبقات التاريخية. أوضح مثال هو جامع أبو الحجاج في الأقصر. الجامع ده مبني جوه معبد الأقصر المصري القديم، اللي هو نفسه كان اتحول لـ كنيسة في العصر المسيحي. المكان محتفظ بقدسيته آلاف السنين.
٢. مولد أبو الحجاج وعيد الأوبت:
اشمعنى المولد ده بالذات بيستخدموا فيه “مراكب” خشبية ضخمة بيلفوا بيها في الشوارع؟… لأن ده هو هو إعادة احياء عيد الأوبت حتى وان كان بين اخر عيد اوبت في المعبد وأبو الحجاج يمكن اكتر من ٧٠٠ سنة (لينك توثيقي للعيد مرفق) . زمان كانوا بيحتفلوا بالإله “آمون” وهو بيتنقل في “مركب مقدس” في موكب عظيم بين معبدي الأقصر والكرنك. اهل الاقصر لسه بيعملوا نفس الاحتفال (بالمزيكا والطبول) بس برموز حديثة. حتى الموالد المسيحية فيها زفة للقديس بكساوٍ بيضا زي الكهنة في مصر القديمة وبخور.

رابعاً: طقوس الموت والحداد
١. “العديد” (مراثي الجنازات):
طريقة حزننا على الميت لسه زي ما هي. اللطم على الصدور، والمواكب الجنائزية شبه بعضها جداً. في دراسة عملتها عالمة الأنثروبولوجيا إليزابيث ويكيت، قارنت بين مرثية مصرية قديمة بتقول: “بيتي اتدمر في غمضة عين”، ومرثية حديثة لواحدة اسمها “قُميّة” من الأقصر بتقول عن أبوها المتوفي: “ده كان عمود بيتنا والعمود اتهد”. ده نفس التشبيه بالظبط!
٢. زيارة المقابر:
زمان، المقابر كان فيها “جزء علوي” (مصطبة أو مقصورة) عشانالأحياء ييجوا يزوروا ويتفاعلوا مع المتوفى، وكان فيه نصوص اسمها “نداءات للأحياء”. وكان فيه أعياد لزيارة الموتى (زي “عيد الوادي”) بيقدموا فيها أكل وشرب وبخور. ده بالظبط اللي بنعمله النهاردة في زيارات الأعياد وأيام الجمعة، وتوزيع الأكل (زي قرص “الرحمة والنور”).

خامساً: السحر (من “حيكا” لـ “بركة”)
• مصر القديمة كانت “أم السحر”. كلمة “حيكا” (السحر) القديمة هي اللي مفهوم “بركة” في احياناً كتير.
• الجن والعفاريت: زمان كانوا بيؤمنوا إن الأرواح والوحوش ساكنة “تحت الأرض”،
• “النداهة”: إيمانهم بأرواح ساكنة في الترع ، هو أصل حكاية النداهة.
• “البعو”: زمان كانوا بتخوفنا بـ البعو اللي بيطلع للأطفال اللي مش بيغسلوا سنانهم. اتفاجئت لما كبرت إني لقيت نفس الكلمة في المصري القديم، ومعناها “الروح الخفية” أو الضمير!
• العين الشريرة (الحسد): إيماننا الراسخ بيها موجود من أيام البرديات اليونانية والرومانية.
• الأحجبة والتمائم: لسه في بعضنا بيستخدمها للحماية وللخصوبة وللولادة وحتى للتفاؤل، زي المصريين بالظبط.
• الرفاعية (مروضو الثعابين): اللي بنشوفهم في الموالد دول لهم أصول قديمة جداً. أنا شفت واحد منهم بنفسي في المنيا اسمه أبو تالوت.

الخلاصة (ليه كل ده مهم؟):
إحنا دلوقتي بنواجه خطرين: “العولمة” و “الأصولية الدينية”. الاتنين دول بيهددوا التراث “البلدي” الحي ده. الناس بقت مكسوفة من الموالد أو من العديد وشايفينها تخلف.
لو التراث المعنوي ده مات (الحواديت والأغاني والطقوس)، هنفقد الصلة الأخيرة بهويتنا، وساعتها حجة الانقطاع اللي بيقولها بارزينجر هتكون اتحققت.
عشان كده، الحفاظ على الآثار (التراث المادي) بيبدأ من الحفاظ على التراث الشعبي ده (المعنوي).
لازم نوثق كل ده (بالعربي وبالإنجليزي) عشان نرد على الناس اللي زي بارزينجر وده صلب الخطاب اللي بيتكلم عن نزع الاستعمار من مصر القديمة، لأن علم المصريات القديم مش بيتكلم غير الاثار ولكن رفض تماماً انه يتفاعل مع مصر الحديثة، بالنسبة ليهم مصر القديمة كان لازم تموت عشان يعرف يكنز الاثار اللي في مجموعاته المتحفية.

ولازم نرجع نفخر بالتراث “البلدي” بتاعنا، لأنه هو ده اللي بيخلينا مميزين، وهو ده اللي بيثبت إننا “أحفاد حضارة عظيمة لسه عايشة لحد النهاردة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى